إن الخيال هو الذي صنع الأمم العظيمة وصاغ الأفكار الكبرى ودفع الشعوب الناهضة للتطور عبر مسيرة البشرية، وهو يختلف بدوره عن الوهم ويقترب من مفهوم الرؤية البعيدة والتصور المستقبلي لرحلة الزمان والمكان. و “حق الخيال” منحة إلهية يستطيع بها المرء أن يتجول في الدنيا وهو في مكانه، راسماً الخطوط العريضة لحياته.
ماذا نعني بمحو الأمية المستقبلية؟
يشير محو الأمية في الأصل ببساطة الى القدرة على القراءة والكتابة، ولكن المصطلح اليوم يغطي نطاقا أوسع بكثير من الكفاءات والمعرفة في سياقات محددة مثل “محو الأمية المالية” و” محو الأمية الرقمية”. بالنسبة لمحو الأمية المستقبلية فإن السياق المحدد هو الخيال البشري، حيث أن المستقبل فقط نستطيع تخيله.
القدرة التي يشير اليها مصطلح ” محو الأمية المستقبلية ” هي القدرة على معرفة كيفية تخيل المستقبل، ولماذا هو ضروري لنا اليوم. تمكننا معرفة القراءة والكتابة المستقبلية من إدراك مصادر آمالنا ومخاوفنا، وتحسين قدرتنا على تسخير قوة صور المستقبل، لتمكيننا من تقدير تنوع العالم من حولنا والخيارات التي نتخذها بشكل كامل.
في الآونة الأخيرة، أصبحت دراسة المستقبل جزءا من التخطيط، ناشئا عن الرغبة في التحكم في الغد. على مدار السبعين عاما الماضية، سعت معظم الجهود المبذولة للتفكير في المستقبل – والتي اضطلعت بها المنظمات والحكومات في المقام الأول – الى محاولة التغلب على عدم اليقين، وفهم التعقيد، والبقاء على صلة بالجمهور والمستهلكين، أو بعبارة مختلفة قليلا، استعمار الغد بأفكار اليوم. عندما اكتسبت مثل هذه التمارين مكانة اعلى من مجرد التكهنات اليومية، اتاحت الفرصة لابتكار تقنيات وتطبيقها مثل ” تخطيط السيناريو” و” مسح الأفق”.
لقد أدى تصميم هذه الأدوات وتطبيقها في الغالب الى المستقبليون، كان دورهم هو المساعدة في الجهود المبذولة للتخطيط للغد، عادة عن طريق اكتشاف او اختراع مستقبل ممكن، محتمل، أو مفضل، مشتق من افتراضات تستند الى صور الماضي والحاضر لما قد يكون عليه المستقبل.
إن المستقبل المتخيل الذي لا ينشأ من الجهود المبذولة لمعالجة ما يعتبر حاليا محتملاً او مرغوبا ليس له مكان في التفكير السائد، نظرا للقوة التي تتمتع بها صور المستقبل على ما نتصور ونفعله، تظل معظم الظواهر الجديدة غير مرئية مجردة من المعنى، لأنها مستبعدة من تصورنا للمستقبل.
لقد وصف علماء الاجتماع بشكل متزايد كيف ان الوتيرة المتسارعة للحياة والتغيير الاجتماعي تجعلنا نشعر بالغربة عن العالم الذي نعيش فيه، لدرجة ان الافراد والشركات والهيئات الحكومية غير قادرين على تبني التغيير.
تعتمد معرفة القراءة والكتابة في المستقبل على القوة العقلية البشرية التي تمكننا من التخيل، انها كفاءة واسعة لفهم كيف ولماذا يستفيد البشر من قدرتهم على تخيل المستقبل، ويمكن استخدامها بعدة طرق وهي موجودة مسبقا مثل قدرتنا على المشي او التحدث.
إن محو الأمية المستقبلية متاح من خلال نظام الترقب، والذي يمكن تدريبه وصقله لإثبات الالفة مع غير المألوف، وان الانضباط في التوقع هو القدرة على إدراك الافتراضات حول المستقبل، واتقانه يسمح لنا بالنظر لعدم اليقين كمورد، وليس كعدو للتخطيط. إن من خلال تخيل مستقبل مختلف، يمكن للأفراد ان يدركوا قدرتهم على تشكيل وابتكار افتراضات استباقية جديدة، وتحويل هذه القدرة على التوقع من اللاوعي الى الحالة الواعية هو بداية أن يصبحوا متعلمين حول المستقبل.
Pingback: «هربرت جورج ويلز» الأبَ الروحي لأدب الخيال العلمي | سليمان الكعبي | مدونة