سلسلة : يحدث الآن في المستقبل
خلال السنوات القليلة القادمة يمكن للمرأة الحامل أن تناقش مع طبيب الجينات بعض الخيارات المتطورة بشأن طفلها الذي لم يولد بعد. فلقد حقق العلماء باستخدام تقنية “كريسبر” تقدما كبيرا في إجراء بعض التغييرات الجينية في الأجنة بهدف تقليل فرص الإصابة ببعض الأمراض والتشوهات الجسدية. وهو ما فتح الطريق أمام ما يطلق عليه تصميم الأطفال جينيا والبشر الخارقون.
وفي حين يتجه تفكير معظم الناس إلى الاختيار من قائمة الصفات الشكلية لتجنب الإصابة ببعض الأمور كالدمامل أو النمش، واختيار صفات أخرى كالأسنان الجميلة على سبيل المثال. فإن النطاق الكلي للخيارات سيكون أعمق من ذلك بكثير وأكثر تعقيداً. إذ سيمكننا تحسين وزيادة قدراتنا، وسوف يتمكن خبراء الجينات من توفير حياة بشرية لا تنعم بالصحة والقوة وحسب، وإنما بالعديد من فرص التحسين.
فلن يكون لهؤلاء الأطفال ما يريدونه فقط من لون الشعر ورسم الشفاه وطول الحاجب وشكل الأذنين، وإنما سيكون لهم أيضا حجما أكبر وأجساد أكثر قوة وكفاءة ومرونة، كما سيتمتعون بمتوسط عمر أطول. وسيكونون أكثر إشراقا وفي غاية الثقة والبساطة.
المراحل المستقبلية للهندسة الوراثية
من المنطقي ألا تتم هذه التحسينات في المختبر مرة واحدة، لذا ندرج فيما يلي تصوراً حول المراحل التي سيمر بها تصميم الأطفال جينيا والبشر الخارقون:
المرحلة الأولى
يكون التركيز على القضايا الوراثية والقضاء على الجينات المسببة لأمراض ما قبل الولادة.
المرحلة الثانية
تطبق تقنيات “كريسبر” على السمات الوراثية مثل: لون العين وطول الإصبع وطول العنق ومنحنى الحاجب وخطوط الفك.
المرحلة الثالثة
بالوصول إلى هذه المرحلة سيتاح للآباء المحتملين تحديد الصفات العصبية والعضلية، والعلامات المميزة لطفلهم، كما سيمكنهم اختيار القيم النسبية لبعض الأشياء مثل درجة الإحساس بالمواد الساخنة والباردة، وحساسية الضوء، وحساسية الجلد، ودرجة انحراف الورك والمعصم والقدم.
المرحلة الرابعة
يتم استخدام التقنيات المتقدمة لتخصيص عمليات التفكير والميول. ويوجه الآباء عالم الوراثة الخاص بهم نحو المتغيرات العاطفية التي يرغبوا في أن يتمتع بها طفلهم مثل التوازن المثالي بين التفكير والشعور، والانطواء مقابل الانفتاح، والحدس مقابل الاستكشاف. وإذا ما كانوا يرغبون في أن يعدوا طفلهم ليصبح فنانًا؟ أو مهندسا؟ أو موظفا عموميا؟ أو شخصا إنسانيا محبا لخير الجميع؟ أو ضابطا عسكريا؟ حيث ستكون هناك صيغ لكل خيار من هذه الخيارات بالمستقبل.
الانتقال إلى عالم البشر الخارقين
ما قيمة حياة البشر الخارقين؟ قلة من الناس فقط يدركون قوة هذا السؤال.
برغم أننا لا نزال نجهل كيفية قياس مقدار التغير اللازم للحكم على شخص بأنه خارق، وكذلك مقدار التغير الذي يجب أن يفصل مرحلة من المراحل السابقة عن الأخرى، فإن فكرة ولادة شخص خارق هي فكرة مثيرة ومخيفة في الوقت نفسه.
إن السبب وراء السؤال عن قيمة حياة البشر الخارقين هو أن حياتهم ستغير مفهومنا عن الحياة البشرية، وكيفية الانتقال للمستقبل.
فقد يكون متوسط قيمة حياة البشر الخارقين أكثر مائة مرة من متوسط قيمة حياة إنسان اليوم. وقد يضيف الشخص الخارق في المتوسط ما قيمته 500 مليون دولار للاقتصاد العالمي.
في بعض مراحل البحث المتقدمة، ربما تدفع المجموعات البحثية للأمهات المحتملات من أجل إخضاع أجنتهن لعمليات تعزيز الفرص. وربما دفعت لهن تكاليف قضاء التسعة شهور فترة الحمل في المنتجعات الفارهة مع راتب شهري ومكافأة تمنح لهن بمجرد أن يلدن أطفالهن. كل ذلك ليتمكنوا من مراقبة نمو الجنين بالكامل.
أما أمهات اليوم اللاتي يساورهن القلق من أعباء ومتطلبات إنجاب طفل جديد، فسينظرن إلى الأمر على أنه فرصة العمر لتغيير كل شيء إلى الأفضل. وسيعني إنجاب طفل واحد توفير راتب شهري وأسرة مستقرة وطاقم دعم كامل لضمان أفضل النتائج.
وإذا نجحت هذه التجربة، فغالبا ما ستدفع جميع بلدان العالم للأمهات من أجل تصميم أطفالهن جينياً، وستتنافس البلدان مع بعضها للحصول على أطفال خارقين. وذلك ببساطة لأن عائد الاستثمار سيكون أكبر من أن يتم تجاهله.
الأطفال الخارقون.. الثمن والمنحدر الأخلاقي الزلق
بقدر ما هو مثير أن يولد جيل كامل من الأطفال الخارقين بقدر ما هو مخيف أيضاً. لأن هؤلاء الأطفال الخارقون سيقودون الأعمال والسياسة، وسيكون منهم الاستراتيجيين والمصممين والمخططين والفلاسفة. وإذا وجد هذا الإنسان الخارق بقيمة 500 مليون دولار، فإن حصوله على التدريب والرعاية الصحية والحماية القانونية وتوفير الطعام والفرص العامة له، سيضعه في فئة خاصة.
ولا شك أن الدول الأكثر ثراء ووفرة من الناحية الجيوسياسية، وتلك التي يعمل علماؤها على معالجة المشكلات الجينية ستعمل على الحصول على أكبر نسبة من المواطنين الأصحاء والأذكياء. مما سيزيد من حجم الاختراقات الجينية ويزيد الفجوة المتنامية سريعا بين من يملك ومن لا يملك. وستعمل الدول التي تنافس على النفوذ العالمي من أجل حث الأمهات المحتملات على إنجاب أطفال خارقين، مما يعني للأسف إجبار الأمهات في بعض الأماكن من العالم على مراجعة مكاتب تعزيز الجينات.
وبمرور الوقت ربما تقرر بعض الدول الحصول على البشر الخارقين بأي ثمن. وهو ما يعني بدوره تقليل الميزة النسبية للبشر العاديين وتغيير العديد من المفاهيم العامة.
أين يقف الأمر؟
هل من الجيد أن يكون لدينا مجتمع متعدد المستويات؟ وقواعد اجتماعية مختلفة للعدالة وتكافؤ الفرص؟ أم يمكننا أن نضمن توفير التعزيز الجيني للجميع؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف سيؤثر هذا في الهيكل الاجتماعي لنا؟
كيف سينافس غير الخارقين في الرياضة والسياسة والحصول على الوظائف وغيرها من مجالات الحياة. قد يبدو الأمر كأنه أحد أفلام الخيال العلمي لكنه وشيك الحدوث.
هل يحتاج الخارقين قوانين وسياسات ومعايير مختلفة؟ هل يحتاجون أطعمة وأحياء وتأمين على الحياة وإجراءات حماية مختلفة؟
وهل تصميم الأطفال جينياً والبشر الخارقون وفقا لتقنية “كريسبي” نقطة انطلاق منطقية للتفرد؟
علينا انتظار ما يأتي من المستقبل!!..
المصدر: مقالة مترجمة